برنامج علم النفس التحرّريّ/
أحداث / سمينار "الصحّة النفسيّة في السياق الفلسطينيّ -مقاربة تحرُّريّة" اللقاء الثالث, 20 تموز 2024تتابع لقاءات سمينار "الصحّة النفسيّة في السياق الفلسطينيّ - مقاربة تحرُّريّة" انعقادها، بمشاركة عدد من طلبة وخرّيجي ومهنيّي الصحّة النفسيّة، حيث عُقِدَ يوم السبت المنصرم 20.7.2024، اللقاءُ الثالث والذي خُصِّص لدراسة وتحليل واقع الفلسطينيّين في إسرائيل وانعكاساته النفسيّة. عنوان اللقاء: "الفلسطينيّون داخل الخطّ الأخضر والجرح الاستعماريّ المفتوح: لعنة الخصوصيّة؛ البنْية والعلاقة الاستعماريّة، التغريب عن الحيّز وتشويه الهُويّة، تحليل العنف والجريمة، وآثار سياسات الإخراس والقمع على الديناميكيّات النفسيّة الفرديّة والجمعيّة". تضمّن اللقاء مداخلة افتتاحيّة قدّمتها د. عرين هوّاري، مديرة مركز مدى الكرمل والناشطة النسويّة والسياسيّة، ثمّ مداخلة رئيسيّة قدّمتها د. لينة ميعاري، أستاذة علم الإنسان في دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بير زيت.
تطرّقت د. عرين هوّاري، في مداخلتها الافتتاحيّة، إلى ما يسمّى خصوصيّة فلسطينيّي الـ48 لكون سياقهم سياق مواطَنة، وقالت إنّ هذه المواطَنة الكولونياليّة المنقوصة من المفترَض أن تحمّلنا مسؤوليّة التعامل مع حلّ التناقضات الجمّة التي نعيشها، لا أن يجري توظيفها لتبرير تواطؤنا وصمتنا عمّا يَحْدث لأبناء شعبنا. وقالت هوّاري إنّ هذه المواطَنة تحوّلت إلى نوع من الأَسْر يأسر حراكنا، غير أنّنا في الوقت ذاته نَعِي في قرارة أنفسنا أنّه لا يمكننا المراهنة عليها لتحمينا. وقارنت هوّاري بين واقع فلسطينيّي الـ48 وواقع الجغرافيّات الفلسطينيّة الخمس الأخرى على نحوِ ما حدّدها عبد الرحيم الشيخ، قائلة: "نحن نعيش ضمن الحدّ الأدنى اللازم للبقاء. وهو واقع "جيّد" إذا ما قارنّا بين واقعِنا المتمثّل في المواطَنة الكولونياليّة، والجغرافيّاتِ الفلسطينيّة الخمس الأخرى: الاحتلال العسكريّ في الضفّة الغربيّة؛ تهويد القدس؛ الحصار على غزّة؛ اللجوء؛ معاناة المعتقَلين والأسرى في السجون الإسرائيليّة. وبهذا تتشكّل جغرافيّة سادسة في حيّز من "ديمقراطيّة" في خدمة الكولونياليّة، تقوم بتلطيف بُعدها الكولونياليّ وتمويهه".
أمّا د. لينة ميعاري، فقد تناولت في مداخلتها واقع فلسطينيّي الـ48 من خلال تنظير فرانز فانون، وقالت إنّ مقاربة هذا الواقع من خلال عدسة فانون يمكنها أن تكشف لنا الأبعاد والديناميكيّات النفسيّة لدى فلسطينيّي الـ48. وتطرّقت ميعاري إلى تجلّيات مباني القوّة -سياسيّة كانت أَم اجتماعيّة أَم اقتصاديّة أَم ثقافيّة- في النفس البشريّة، حيث إنّه لا يمكن فَهْم الذات النفسيّة للفرد بمعزل عن السياق والظروف المحيطة والتي في السياق الاستعماريّ تستدخل ميراثًا وأمورًا استعماريّة وتشكِّلُ ديناميكيّة نفسيّة مشوَّهة. كذلك تناولت مسألةَ عقدة النقص التي من الممكن أن تتطوّر عند الذوات المستعمَرة قائلة: "إنّ هذه العقدة ليس مَصدرها فطرة المستعمَر، بل إنّ علاقة المستعمِر بالمستعمَر هي علاقة سامّة بطبيعتها؛ إذ هي تخلق ذاتًا مشوَّهة لا تعيش علاقة مباشرة مع تاريخها ولغتها، بل تخلق نوعًا من القَطْع يجعل الذات المستعمَرة تعيش بأفكار المستعمِر ورُؤاه ونظرته، ويجري استدخال هذه النظرة لينظر المستعمَر إلى نفسه وإلى مجتمعه ودوائر انتمائه نظرة دونيّة".
وفي ما يخصّ الفرق بين العلاج النفسيّ التقليديّ والعلاج التحرُّريّ، قالت ميعاري إنّ هدف العلاج على وجه العموم هو مساعدة الفرد على الاندماج والتكيُّف مع الواقع الذي يعيشه، وأمّا العلاج التحرُّريّ فهو مشروع سياسيّ تحويليّ لمباني القوّة القائمة. بالتالي، المعالِج والاختصاصيّ النفسيّ التحرُّريّ لا يمكنه إلّا أن يكون إنسانًا مشتبكًا؛ وذلك أنّ الفعل السياسيّ هو جزء لا يتجزّأ من مشروع تحرير الذات الفرديّة والجمعيّة، وغيابُ مشروع جمعيّ تحرُّريّ على مستوى الذوات هو تدمير للكينونة النفسيّة للذات.
وفي نهاية اللقاء، جرى حِوار بين المشاركين حول دَوْر المعالج في الغرفة العلاجيّة وفي المجتمع، لكونه هو كذلك ينتمي إلى المجتمع نفسه وتخضع ذاته للسياق نفسه ولمباني القمع نفسها. ورأى المشاركون أنّ دَوْر المعالج هو في محاولة خلق وعي نقديّ لظروف يعيشها المتعالج في اللاوعي. هذا الوعي من شأنه أن يضمن عدم تواطؤ المعالج مع الواقع الـمَعِيش والذي يعكس نظرة المستعمِر الفوقيّة الاستعلائيّة إلى المستعمَر.
من الجدير بالذكر أنّ السمينار يُعْقَد بالتعاون بين برنامج "علم النفس التحرُّريّ" في مدى الكرمل وبرنامج "علم النفس المجتمعيّ" في جامعة بيرزيت؛ وبتمويل من مؤسّسة عبد المحسن القطان. سيمتدّ السمينار على ستّة لقاءات يقدّمها عدد من الأكاديميّين والمهنيّين الفلسطينيّين. وتُشْرِف على السمينار لجنة مكوَّنة من: السيّدة إيناس عودة-حاجّ مركّزة السمينار؛ د. عرين هوّاري مديرة مدى الكرمل؛ د. مَي البزور أستاذة علم النفس الاجتماعيّ في جامعة بير زيت.